لطالما كانت المقاومة الفلسطينية رمزًا للكرامة والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي، حيث أظهرت الشعب الفلسطيني إرادة قوية وعزيمة لا تنكسر لتحقيق حريته واستقلاله. وقد مرت المقاومة الفلسطينية بمراحل متعددة منذ بداية الصراع مع الاحتلال، بدءًا من المقاومة الشعبية وحتى المقاومة المسلحة التي كانت تطورًا استراتيجيًا للحفاظ على الأرض والكرامة الوطنية.
مراحل المقاومة الفلسطينية
1. الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939): تُعد الثورة الكبرى أحد أبرز وأقدم أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني الذي كان يمهد لقيام دولة إسرائيل. بدأت المقاومة بثورة شعبية امتدت لعدة سنوات، وشارك فيها آلاف الفلسطينيين بهدف وقف الهجرة اليهودية والحد من سيطرة الانتداب على الأراضي الفلسطينية.
2. المقاومة في الستينيات والسبعينيات: في عام 1964، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وبرزت حركة فتح بقيادة ياسر عرفات التي حملت راية الكفاح المسلح. شنت المقاومة عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وامتدت لتحقق وجودًا فلسطينيًا في المحافل الدولية وتحاول كسب الدعم السياسي.
3. الانتفاضة الأولى (1987-1993): تعتبر الانتفاضة الأولى، أو “انتفاضة الحجارة”، نقطة تحول في تاريخ المقاومة. أشعلها الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته، مستعينًا بالحجارة كأسلوب مقاومة رمزي ضد الدبابات الإسرائيلية. وأسهمت الانتفاضة في لفت انتباه العالم إلى معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
4. الانتفاضة الثانية (2000-2005): اندلعت هذه الانتفاضة بعد زيارة أرييل شارون للمسجد الأقصى، وامتازت باستخدام الأسلحة النارية واستهداف المستوطنات العسكرية والمدنية الإسرائيلية. وأدت إلى تصاعد العنف ووقوع آلاف الضحايا، وكانت نقطة تحول في المقاومة الفلسطينية نحو المزيد من القوة والتنظيم العسكري.
5. صعود حركات المقاومة المسلحة: برزت حركات مقاومة فلسطينية كبرى مثل حماس والجهاد الإسلامي، حيث أصبحت هذه الحركات فاعلاً رئيسيًا في المقاومة، خاصة في قطاع غزة. طورت حماس من أساليبها حتى باتت تعتمد على الأنفاق والوسائل الصاروخية في التصدي للاحتلال، وأصبحت لديها قوة دفاعية قادرة على الصمود ضد الهجمات الإسرائيلية المتكررة.
بطولات وتضحيات
أثبت الشعب الفلسطيني على مدار سنوات طويلة قدرة مذهلة على التضحية والصبر. وتاريخ المقاومة مليء بالبطولات الفردية والجماعية؛ من الشباب الذين واجهوا الرصاص بالحجارة إلى الأسرى الذين أضربوا عن الطعام دفاعًا عن حقوقهم، إلى الأمهات اللاتي قدمن أبناءهن شهداء في سبيل الحرية. كما أن القادة الميدانيين للمقاومة قدموا نموذجًا مشرفًا للتضحية في ساحات المعارك، واستشهد كثير منهم خلال مواجهات مباشرة مع جيش الاحتلال.
المقاومة والتحديات الدولية
واجهت المقاومة الفلسطينية العديد من التحديات على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما في ذلك ضعف الدعم العربي وتغير مواقف الدول العظمى، حيث أُدرجت بعض فصائل المقاومة على قوائم الإرهاب في بعض البلدان. ومع ذلك، استمر الفلسطينيون في نضالهم، مؤكدين على حقهم المشروع في الدفاع عن أرضهم واسترداد حقوقهم.
تُعد المقاومة الفلسطينية مثالاً حيًا على كفاح الشعوب من أجل الحرية والكرامة. وعلى الرغم من العقبات الكثيرة والتحديات الكبرى، إلا أن روح المقاومة لا تزال حيّة في قلوب الفلسطينيين، حيث يستمرون في الصمود على أرضهم.
تميزت حركة حماس منذ نشأتها بوجود قادة شجعان أسهموا بشكل بارز في النضال الفلسطيني ودفعوا حياتهم ثمنًا لذلك، حيث شكّلوا رموزًا للصمود والإقدام. فيما يلي بعض من أبرز قادة حماس الذين كان لهم دور كبير في المقاومة:
1. الشيخ أحمد ياسين
هو مؤسس حركة حماس وأحد رموزها البارزة. وُلِدَ الشيخ أحمد ياسين عام 1937، وتعرض للإصابة في صغره مما جعله يعاني من شلل كامل، لكنه لم يدع هذا الأمر يُعيقه عن النضال ضد الاحتلال. عمل على نشر فكرة المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال وأسس حماس عام 1987. استشهد الشيخ ياسين عام 2004 بعد أن استهدفته طائرة إسرائيلية في هجوم صاروخي بينما كان يخرج من المسجد.
2. عبد العزيز الرنتيسي
يُعتبر الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد أبرز قادة حماس. وُلِد عام 1947 وكان طبيبًا، وقائدًا سياسيًا وعسكريًا. بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، تولى الرنتيسي قيادة الحركة لفترة قصيرة قبل أن يُستشهد هو الآخر في نفس العام 2004، حيث استهدفته طائرة إسرائيلية في غارة جوية.
3. يحيى عياش (“المهندس”)
يُعد يحيى عياش أحد رموز المقاومة الفلسطينية، إذ كان قائدًا عسكريًا ومهندسًا ماهرًا في تصنيع المتفجرات. شكّل عياش تهديدًا كبيرًا للاحتلال الإسرائيلي بفضل تخطيطه وتنفيذه للعديد من العمليات النوعية ضد أهداف إسرائيلية. استشهد عياش عام 1996 عن طريق تفجير هاتفه المحمول بعملية اغتيال إسرائيلية معقدة.
4. محمد الضيف
يُعد محمد الضيف، الذي لا يزال حيًا ويختفي عن الأنظار، قائدًا بارزًا للذراع العسكرية لحركة حماس، كتائب الشهيد عز الدين القسام. لعب دورًا رئيسيًا في تطوير القدرات العسكرية للحركة، وتنظيم العمليات العسكرية ضد الاحتلال. نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال على مر السنين ويعتبر من أكثر القادة غموضًا في تاريخ المقاومة الفلسطينية.
5. صلاح شحادة
كان صلاح شحادة قائدًا عسكريًا لحماس وأحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام. قاد شحادة العديد من العمليات النوعية ضد الاحتلال، ما جعله هدفًا دائمًا لإسرائيل. استشهد في عام 2002 إثر غارة جوية استهدفت منزله في غزة، وتسبب الهجوم بمقتل أفراد من عائلته ومدنيين آخرين.
6. أحمد الجعبري
كان أحمد الجعبري قائدًا عسكريًا بارزًا في حماس وقائدًا فعليًا لكتائب عز الدين القسام في غزة. أسهم في تنظيم وتخطيط العمليات العسكرية ضد إسرائيل، كما لعب دورًا مهمًا في صفقة تبادل الأسرى المعروفة بـ “صفقة شاليط”. اغتيل الجعبري في عام 2012 في غارة إسرائيلية استهدفت سيارته، مما أشعل بداية تصعيد كبير بين حماس و العدو الصهيوني .
استطاع قادة حماس الشجعان بناء منظومة قوية للمقاومة في وجه الاحتلال رغم التحديات الكبيرة، وقدموا حياتهم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. ستظل ذكراهم حية في قلوب الشعب الفلسطيني، إذ يمثلون نماذج للتضحية والإصرار على التحرير.
الشهيد يحى السنوار
الشهيد يحيى السنوار هو أحد أبرز قادة حركة حماس وأحد الشخصيات الهامة في المقاومة الفلسطينية. ولد في مدينة خان يونس بقطاع غزة عام 1962، ونشأ في ظل الاحتلال الإسرائيلي، مما شكّل جزءًا من وعيه الوطني وقادته إلى الانضمام للمقاومة. انضم السنوار إلى حركة حماس منذ تأسيسها، وشارك بفعالية في المقاومة.
دوره في المقاومة
في الثمانينات، كان السنوار أحد مؤسسي كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، وساهم في تنظيم الخلايا العسكرية والعمليات ضد الاحتلال. أُلقي القبض عليه من قِبَل قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1988، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم تتعلق بعمليات عسكرية وتشكيل مجموعات مقاتلة، حيث أمضى نحو 22 عامًا في السجن.
في عام 2011، أُفرِج عنه في صفقة تبادل الأسرى الشهيرة المعروفة باسم “صفقة شاليط”، والتي تمت بوساطة مصرية، وتم بموجبها إطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. بعد خروجه من السجن، لعب السنوار دورًا بارزًا في إعادة بناء قدرات حماس وتطوير بنيتها العسكرية، حيث أصبح من الشخصيات القيادية المؤثرة في الحركة.
قيادته في قطاع غزة
في عام 2017، انتُخِب السنوار رئيسًا لمكتب حماس السياسي في قطاع غزة، ليصبح واحدًا من القادة الأساسيين المسؤولين عن إدارة شؤون الحركة في القطاع، وقيادة العمليات العسكرية، وتطوير القدرات الدفاعية والهجومية ضد إسرائيل. برز دوره في العمل على تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في غزة، بالتوازي مع استمرار المقاومة المسلحة، مما جعله يحظى باحترام كبير داخل الحركة وبين الفلسطينيين.
صفاته القيادية وأثره
يُعرف السنوار بشخصيته القوية والكاريزمية، وقدرته على إدارة الأزمات، إضافة إلى تصميمه على المقاومة، مما جعل منه قائدًا يتمتع بشعبية واحترام واسع. كما يُعرف بتواضعه وصلابته، ويُعتبر رمزًا للتضحية، خاصةً بعد المعاناة الطويلة التي تعرض لها في السجون الإسرائيلية.
يحيى السنوار يعتبر مثالاً للشجاعة والتفاني في سبيل تحرير فلسطين. كانت حياته مليئة بالتضحيات والعمل الدؤوب للمقاومة، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الشعب الفلسطيني كمثال للقائد المخلص الذي قدم حياته لأجل وطنه وشعبه.
اكتشاف المزيد من صوت فلسطين
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.